أخي المسلم
أعلم رحمك الله : أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لايتاب منها والمعصية
يتاب منها .
ومعنى
أن البدعة لا يتاب منها : أي أن المبتدعالذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ولا رسوله قد
زُيِنَ له سوء عمله فرآه حسنا فهو لايتوب ما دام يراه حسناً لأن التوبة لا تكون إلا
عن علم بأن فعله سيئ ليتوب منه ، أوبأنه ترك حسناً مأموراً به أمر إيجاب أو
استحباب ليتوب ويفعله فمادام يرى فعله حسناوهي سيئ في نفس الأمر فإنه لا يتوب نسأل الله
أن يوفقنا للتوبة النصوح .
واعلم : أن مدار فساد القلوب
واستقامتها على أصلين : هما فساد العلم وفساد القصد فإذا فسدالعلم والقصد فسد
القلب وإذا صلح العلم والقصد صلح القلب فيجب علينا أن نحسن العلموالقصد ونخلص النية
لله وحده حتى نحصل على ثمرة علمنا ونصل إلى الهدف المنشود الذينريده وهو الفوز
بالجنة والنجاة من النار ، وحتى لا نقع في مهاوي الطريق ونحن لانشعر بما وقعنا فيه .
فالإخلاص
: هو أن يقصدالعبد بعمله رِضَىَ ربه ويرجو ثوابه فلا يقصد
غرضا آخر من رئاسة أو جاه أو مال أوغيرها .
* والقصد
هو ما عقد عليه القلب وعزم على فعله بدون تردد فالقلب إذا كانعالماً بالحق مريداً
للحق مقدماً له على غيره ، فهو القلب الحي الصحيح ، وإذا كانبضد ذلك كله فهو القلب
الميت . أما إذا كان شاكاً في الحق مرتاباً فيه فهو القلبالمريض ، مرض الشبهات
والشكوك ، وإذا كان مريداً للشر ميالاً إلى المعاصي ، فهوالمريض مرض الشهوات ،
وأما إذا كان القلب فيه غِلاً أو حقداً على الخلق فهو المريضبالغش وعدم النصح [2]
ولقد كانت القلوب موضع العناية التامة عند السلف الصالح لأنهميعلمون أنها كما قال
النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحتصلح الجسد كله " .
وذلكلأنها مبدأ الحركات البدنية ،
والإرادات النفسانية ، فإن صدرت من القلوب إرادةصالحة تحرك
البدن حركة طاعة وإن صدرت عنها إرادة فاسدة تحرك البدن حركة فاسدة فهوكالملك
والأعضاء كالرعية ، ولا شك أن الرعية تصلح بصلاح الملك وتفسد بفساده ، وكانواجباً
علينا أن نكون كما كان سلفنا في العناية بالقلوب لأن بها سعادتنا بإذن اللهوبها
شقاءنا .
* وينبغي
للعبد فيالعبادات أن يكون له فيها نية مطلقة عامة ،
ونية خاصة مقيدة فأما النية العامة ،فإنه يعقد بقلبه عزماً جازماً لا تردد فيه ، إن
جميع ما عمله من الأعمال الاعتقاديةوالبدينة والمالية والقولية والمركبة من ذلك
مقصوده بها وجه الله والتقرب إليه وطلبرضاه واحتساب ثوابه ، والقيام بما فرضه وأحبه
الله لعبده وأنه عبد مطلق يتصرف العبدالمملوك فهذه النية العامة التي تأتي على عقائد
الدين وأخلاقه وأعماله الظاهرةوالباطنة ، ينبغي أن يجددها في قلبه كل وقت
وحين ، لتقوى وتتم ويكمل الله للعبد مانقص من عمله ، وما أخل به وأغفله من حقوق
العبادات ، لعل الله تعالى أن يجزيه علىتلك النية الشاملة للدقيق والجليل من عمله
أجراً وثواباً عظيماً .
* ثم
بعد تحقيق هذاالأصل الكبير الذي هو أساس الأعمال ، ينبغي
للعبد أن يتعبد الله بإخلاص في كل جزءمن أعماله ، فيستحضر بقلبه أن يعلمه لله
متقرباً به إليه ، راجياً ثوابه من اللهوحده ، لم يحمله على ذلك العمل غرض من الأغراض
سوى قصد وجه الله وثوابه ، ويسأل ربهتعالى أن يحقق له الإخلاص في كل ما يأتي وما
يذر ، وأن يقوي إيمانه ويُخَلِّصه منالشوائب المنقصة ، وبهذه النية الصادقة يجعل
الله البركة في أعمال العبد ويكوناليسير منها بنية صالحة أفضل من الكثير الذي
بدون نية ثم إذا عرضت له العوارضالمنقصات ، كالرياء وإرادة تعظيم الخلق ،
فليبادر بالتوبة إلى الله ويصرف قلبه عنهذه العوارض المنقصة لحال العبد التي لا تغني
عنه شيئاً ولا تنفعه نفعاً عاجلاً ولاآجلاً .
ثمإذا حقق النية في العبادات ،
فليغتنم النية في المباحات والعادات ، وذلك بأمرين :أحدهما
: أن ينوي أن كل مباح يشتغل به من أكل وشرب وكسوة ونوم وراحةوتوابعها يقصد به
الاستعانة على طاعة الله والقيام بواجب النفس والأهل والعائلةوالمماليك ، ويقول :
اللهم ما رزقتني مما أحب من عافية وطعام وشراب ولباس ومسكنوراحة بدن وقلب وسعة
رزق ، فإجعل ذلك خيراً لي ومعونة لي على ما تحبه وترضاه ،وإجعل سعيي في تحصيل
القوت وتوابعه أداء للأمر وقياماً بالواجب واعترافاً بفضلكومنتك عليَّ ، فإني
أعلم أن الفضل فضلك والخير خيرك وليس لي حول ولا قوة ولا اقتدارعلى شيء من منافعي
ودفع مضاري إلا بك فيتقرب إلى ربه بالاستعانة بالله في ذلكوبالاعتراف بنِعَمِهِ
، ويقصد القيام بالواجب وباحتساب الأجر والثواب ، حتى يتحققفيه قوله صلى الله
عليه وسلم : " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرتعليها حتى ما تجعله في
فيّ امرأتك "
.
ثم
مع هذه النية العامةالتي تحيط بجميع مباحاته وعاداته فليستحضر عند
كل جزء من أجزاء عاداته تلك المقاصدالجليلة ليكون قلبه على الدوام ملتفتاً إلى ربه
منيباً إليه خاشعاً له ومعظماًوذاكراً له فى كل الأوقات ، ويكون اشتغاله بذلك
الجزء من عاداته مصحوباً بحسن القصدليتم له الأجر وتحصل له المعونة من الله وينزل
الله له البركة ويكون مباركاً أينماكان .
وكذلك
إذا باشر حرثه أو صناعته أو مهنته التي يتعاطاها فليتصحب النيةالصادقة ، وليستعن
بربه في حركاته كلها ويرجو رزقه وبركته ، فإن الرجاء انتظارالفضل من الله من أجل
عبادات القلب ، وأكبر الأسباب للبركة هذه النية الصادقة ، معالتوكل على الله.
وليعلم
العبد أن اللهمسبب الأسباب وميسرها ، فإياك أن تعجب بنفسك
وحذقك وذكائك ، فإن هذا هو الهلاكوإنما الكمال أن تخضع لربك وتكون مفتقراً إليه
مضطراً إليه على الدوام .
ثم إنهلابد أن تكون الأمور على ما تحب
تارة وعلى ما تكره أخرى فإذا جاءتك على ما تحبفأكثر من
حمد الله والثناء عليه وشكره لتبقى لك النِعَم وتنمو وتزداد ، وإذا أتتكعلى
ما تكره فوظيفتك الصبر والتسليم والرضا بقضاء الله وتدبيره لتكون غانماً فيالحالتين
في يسرك وعسرك
.
يقول
الشاعر :
نفوسالبرايا كالمطايا
يقودها إذا عودت في كل شيء تطاوعفنفسك
عَودها خصالاً من التقيو علم وآداب لها الزهد رابعوصبر
وشكر والتوكل والسخا و مع ورع فقر به العبدقانعومع
عزلة ذكر وسابق توبة وخوف وعيد وهو في العفو طامعوصدق
وإخلاص وحسناستقامة و كن راضياً فيما بك الحق صانعاللهم
أرنا الحق حقاً وارزقنا اجتنابهواغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا
أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمدوعلى آله وصحبهاجمعين.